في مثل هذا اليوم من العام الماضي , كان الفرح يغمر بيوتنا , مدننا ,شوارعنا من اقصى ربوع الوطن في كردستان العراق الى البصرة الفيحاء , و لسان حال الناس يقول ( جيب الكاس جيبة ) بعد ان زف اسود الرافدين بشرى النصر التاريخي في كاس امم اسيا لكرة القدم ,لتضع اولئك الرجال في المقام الاول في عقول وقلوب العراقيين . اذ قلما تجد بيتا او محلا او شارعا يخلو من ملصقات لاعبينا الابطال مثل يونس محمود , هوار , كرار او ثنائي الدفاع المميز في الاداء والمظهر باسم وجاسم وبقية الاسود التي ببريق وثبتها على العرش الكروي الاسيوي , ازاحت هموم واحزان طويلة و ثقيلة على صدورنا . كان من الممكن لهذه الفرحة ان تتكرر من حيث لامحال على ابطال اسيا لدوام الحال حبا وكرامة وودا للعراق واهله ,للابقاء على حالة رمزية الغيرة العراقية المتمثلة بروح الفريق ووحدته الذي طال انتظاره لملئ فراغ الابطال الحقيقيون في وجدان الناس وضمائرهم الاان الرياح جاءت بما لاتشتهي السفن , و خسرنا حلم التاهل لكاس العالم خسارة (تراجيدية) ,بعد الخسارة المذلة مع الشقيقة قطر لمرتين , فتهاوت هذه الرمزية تهاوي اوراق الشجر في يوم خريفي .( وعادت حليمة لعادتها القديمة ) بالبحث عن من يملئ فراغاتنا ويرضينا وان كان من الخيال او بطل مستورد . فوجد منتج المسلسل التركي نور المدبلج الى العربية ظالته في صناعة مهند البطل الدرامي ابن السبعة وعشرون ربيعا (كيفانيك تاتلوتوغ) المميز بوسامته وملاطفة النساء , هذا الغريب الذي دخل بيوتنا من خلال قناة الـ (ام .بي.سي) احتل عرين اسود الرافدين في جمهورهم ومحبيهم من دون صراع او منافسة . لعل لـ( مهند ) ميزات توفر له حظا كبيرا اكثر من نيل الاعجاب بوسامته و اسلوبه في التعامل مع حبيبته ( نور) , اذ كيف لنا ان نفسر هذا العدد الكبير من المشغوفين بمتابعة المسلسل بأدق تفاصيله وتحولها الى حديث يومي في الشارع العراقي . هل كيفانيك تاتلوتوغ الشاب الذي اصيب باحباط في تحقيق حلمه الرياضي كلاعب سلوي متميز ومهاري بعد تعرضه لاصابه حرمته من مواصلة مشواره وهو في ريعان شبابه ومن ثم حول احباطه الى نجاح كبير في عالم الازياء و الذ يطمح ان يكون من اكبر الممثلين الاتراك موظفا ما يمتلكه من قوام ووسامة واداء. هو وراء ذلك ؟. ام هي حاجتنا لاشباع رغباتنا و ليست لملئ الفراغ فحسب , وربما تكون حاجة التغيّر الى ما هو افضل بالتزامن مع التغيّر في الاوضاع الاقتصادية والعامة في العراق . لقد اخذ مهند كل ادوار البطولة في الشارع العراقي وبات الشخصية الاكثر شعبية حتى منتصف 2008 بلا منافس بل لاينافسه في شعبيته حتى الانجازات الكبيرة التي يحققها السيد رئيس الوزراء نوري المالكي كل يوم و مالها من تداعيات في الوضع العراقي الراهن .لكن هناك ثمة تساؤول الا وهو , هل كان مهند ليحظى باية مكانة في قلوب العراقيين لو ان اسود الرافدين تأهلو لكاس العالم؟. على اقل تقدير انا اشك بذلك . على الرغم من اني شاهدت بعض حلقات هذا المسلسل عندما زرت العراق مؤخرا الا اني لا اريد ان استطرد فيما رأيت من احداث درامية واحذو حذوها حذو النعل بالنعل لاني لم اكن ولن اكون مثل مهند ونور. من حيث مهند نسيج خيال كاتب لا وجود له على ارض الواقع او على اقل تقدير لا وجود له في واقعنا , واذا وجد مصيره الجنون و اسالو قيس بن الملوح ان لم تصدقون , لذلك لااحمل اسود الرافدين وحدهم مسؤولية فسح المجال امام الغازي التركي الجديد مهند لاملاء الفراغات في نفوس من نحب , بل كلنا نتحمل المسؤولية .